حين يتحوّل فستان إعلامية إلى معركة هوية في وطنٍ تُنهكه المآسي !!

يمنات
عبدالوهاب قطران
في بلدٍ مثخن بالجراح، ينهشه الفقر والحرب والفساد والانهيار الشامل، وجد بعض رجالات “الفضيلة” أن الخطر الأكبر الذي يهدد الإسلام والجمهورية والمجتمع اليمني… هو قصر فستان إعلامية ظهرت على شاشة تلفزيون.
نعم… هذا ما وصل إليه بؤس الخطاب الديني المؤدلج لادعياء الفضيلة كهنة المعبد.
فبدل أن يُسائلوا أنفسهم:
لماذا صارت النساء يتسولن في الشوارع؟
لماذا تُعتقل النساء المختطفات في السجون ؟
لماذا يموت اليمنيون جوعًا ومرضًا؟
اين مرتبات موظفي الدولة منذ ثمان سنوات؟
ولماذا صار التعليم والصحة والخبز والماء رفاهية؟
انشغلوا بـ”ساقي” إعلامية.
إنها ليست صدفة… بل تجلٍّ صارخ لذهنية التحريم التى تريد صناعة عدو وهمي لتُخفي عجزها وفسادها وتسلطها.
أولًا: قضية عهد ياسين ليست قضية أخلاق… بل قضية وصاية..
الحملة الشرّسة التي شنّها عضوا مجلس النواب، عبدالله العديني ومحمد الحزمي، ليست تعبيرًا عن “غيرة على الدين” كما يتوهمون، بل صراع على من يمتلك السلطة ويمارس الوصاية على أجساد النساء وظهورهن وصورتهن في الفضاء العام.
حين يكتب أحدهما أن ظهور امرأة “يغضب الله ولا يرضاه الإسلام ولا يقبل به الشعب اليمني المحافظ”، فإنه لا يتحدث باسم الله، ولا باسم الشعب، بل باسم رغبته الشخصية في فرض قيود ذكورية على نصف المجتمع.
هم لا يغارون على الدين…
هم يغارون من امرأة تقف على الشاشة دون إذنهم.
هذه هي الحقيقة العارية.
ثانيًا: الحرية ليست جريمة… واللباس ليس معيارًا للدين والاخلاق والفضيلة
المرأة المعنية ظهرت بلباس مهني معتاد ومألوف في الإعلام العربي والعالمي.
وحتى لو اعترض البعض على شكل اللباس، فهو حقها الشخصي الاصيل الذي لا يملكه نائب ولا حزب ولا شيخ ولاكاهن.
المجتمعات تُقاس:
بكرامة أفرادها
بحرية نسائها
بقدرتها على احترام الاختلاف
وبمستوى الوعي لا بمستوى طول الفستان.
ومن العار أن تُجرّ امرأة عاملة مكافحة إلى محاكم التفتيش الأخلاقية بينما:
الالاف من نساء اليمن مشرّدات يفترشن الأرصفة.
البعض يتم استغلال فقرهن وجوعهن بالداخل والخارج وتجنيدهن بشبكات تجارة الجنس..
أخريات مختفيات قسرًا
آلاف الأمهات يبعن الماء والمناديل ليطعمْن أطفالهن
ملايين بلا تعليم ولا أمان
فهل فستان إعلامية أخطر من هذا كله؟
ثالثًا: التحريض عليها جريمة قانونية مكتملة الأركان
خطاب العديني والحزمي ليس “رأيًا” بل تحريض مباشر.
والتحريض ضد امرأة معروفة بالاسم والصورة في مجتمع هشّ، يُعدّ في القانون الدولي والمحلي:
1. تهديدًا للسلامة الجسدية والنفسية
2. انتهاكًا لحرية العمل وحرية التعبير
3. اعتداءً على حق السلامة الشخصية المكفول في كل المواثيق
4. إساءة استخدام المنصب العام في التحريض على الكراهية
بل إن المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (6) من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، تحظر بشكل صريح التحريض الذي يعرّض الأفراد للخطر.
وهذا تمامًا ما فعله هؤلاء.
من هنا، فإن مطالبة النقابات والمنظمات بمحاكمة المحرضين ليست “مكايدة سياسية”، بل ضرورة قانونية وأخلاقية لحماية النساء والصحافة والمجتمع.
رابعًا: قراءة سياسية واجتماعية… من يخشى حرية المرأة؟
لماذا تتحول امرأة قدّمت برنامجًا تلفزيونيًا إلى “تهديد وجودي” لدى التيار الإسلاموي؟
لأن المرأة الحرة تُسقط مشروعهم كاملًا.
مشروعهم يقوم على:
السيطرة على جسد النساء
التحكم في المظهر
ضبط السلوك
فرض تعريف أحادي للفضيلة والاخلاق
وأخيرًا: استخدام الدين كعصا تأديب للقمع السياسي
وكلما خطت امرأة خطوة واحدة نحو الحرية والاستقلال الاقتصادي والفكري، انهار حجر من بنائهم الفكري والسلطوي.
ولأنهم فقدوا شعبيتهم، ولا يملكون أي مشروع لإنقاذ اليمن من الكارثة، فإنهم يعوضون عن ذلك بخطابات:
الصراخ
الوعظ
تخويف الناس
وإشعال والهاء المجتمع ب“معارك أخلاقية” تافهة
ليبدو أنهم “يحاربون المنكر” بينما يتهربون من مواجهة الحقيقة:
أنهم جزء من خراب هذا الوطن.
خامسًا: حين يصبح فستان امرأة أقوى من صراخ الوصاية.
التضامن الذي حصل مع عهد ياسين— من النقابات والمنظمات وناشطين وكتّاب — كان درسًا عميقًا لهذا التيار:
أن زمن الوصاية آخذٌ بالسقوط،
وأن الوعي يتقدم رغم الحرب،
وأن المرأة اليمنية لم تعد تلك الضحية الصامتة التي تُجلد بتهمة “الحياء”.
تعليق الصحفي شوقي نعمان كان لافتًا:
لم يكن يدعو النساء لارتداء ذات الفستان، بل لارتداء الشجاعة.
لأن القمع يبدأ دائمًا من جسد المرأة، ثم يلتهم المجتمع كله.
وهذا ما يجب أن يُفهم:
الدفاع عن عهد ليس دفاعًا عن لباس…
بل عن حق كل إنسان أن يظهر كما يشاء دون أن يصبح هدفًا لجماعة دينية سياسية تتوهم أنها وصية على الدين والأخلاق.
خلاصة الرأي: من يهاجم امرأة عاملة بسبب لباسها… هو آخر من يحق له الحديث عن الفضيلة
القضية الحقيقية ليست لباس عهد ياسين، بل:
جوع الناس
تشرد النساء
اختطاف اليمنيات
غياب العدالة
عبث المليشيات
وانهيار الدولة
وتسلط جماعات تتاجر بالدين والفضيلة والاخلاق والحياء
أما من يحوّل فستانًا إلى “فساد أخلاقي”…
فهو يمارس أكبر خيانة أخلاقية تجاه وطن يحتضر.
الفضيلة لا تُقاس بستر الساقين،
بل بستر الجائع،
وحماية المظلوم،
ووقف التحريض،
وصون كرامة المرأة،
واحترام الحرية الشخصية،
والانتصار للإنسان قبل النصوص التي تُستخدم كسياط قمع.
هذه هي القضية… وهذا هو جوهرها.
وما حدث لعهد ياسين يجب أن يكون بداية معركة أوسع:
معركة تحرير المرأة والمجتمع من سلطة الخوف… وتحرير المجتمع من الجوع والقهر ومن سلطة الوصاية.